تكيف الجمـــل مع البيئـــة
ورغم أن الجمل يَجْتَرّ الطعام فإنه من الخطأ القول بأنه من رتبة المجترات؛ لأن رتبة المجترات لها 4 غرف للمعدة، أما الحيوانات وِسَاديات القدم فتتكون المعدة عندها من ثلاث غرف فقط.
الجمل والبيئة الخارجية
الجمال تستطيع أن تعيش في جو بارد أو حار.. إلا أن تكيفها على العيش في المناطق الحارة والجافة يُعَدُّ منظومة عجيبة تستحق النظر. لا يفضل الجمل وحيد السنام العيش في المناطق الممطرة، بل يفضل المناطق التي تمر بها فترات حرارة طويلة من الجفاف قد تصل إلى ثمانية أشهر.
ومن ثَمَّ يتمتع بنظام متميز يمكنه من التكيف مع الجفاف والحرارة العالية.. كما يلعب شكله الخارجي دورًا هامًّا في هذه الظروف القاسية.
شكل الجمل
يتراوح لون الجمل من البني إلى الرمادي، وفي حالات نادرة اللون الأبيض، العينان كبيرتان وبارزتان أشبه بعين الغزال، الأهداب طويلة وكثيفة ويوجد غشاء رقيق تحت الجفن يحتوي على غدد كاملة التطور، وظيفتها حماية القرنية من الرمال في البيئة الصحراوية.. الجمل له فَم كبير واللسان طويل وصلب كي يسهل من عملية التقاط المواد الشوكية.. تختلف الأسنان في الإبل عنها في أي حيوان آخر.. حيث تمتاز بقواطع في الفك العلوي، بينما لا توجد إلا في الفك السفلي في الحيوانات الأخرى.. ولها أنياب قوية تميزها عن المجترات الحقيقية.. عدد أسنان الإبل هو "34". الشفة العليا سميكة ذو حساسية شديدة للأشواك، يغطيها شعر كثيف بمقارنتها بالشفة السفلى المتدلية. الشفة العليا مشقوقة طوليًّا في المنتصف، وبها أخدود يتصل بفتحة الأنف حتى يمكن للرطوبة التي تتكون على فتحتي الأنف أن تمر إلى الفم.. يغطي فتحتي الأنف شعر كثيف يمنع الرمال من الدخول إليهما، بل محاطتان بعضلات قوية تمكنهما من الانغلاق في العواصف الرملية.. والأنف ترتعش دائمًا لتبريد هواء الشهيق.
القدم ذو أصابع واسعة ومفرطحة، تغوص في وِسادة جلدية.. وفي أثناء السير تتفرطح هذه الوسائد نتيجة الضغط عليها مانعة القدم من الغوص في الرمال.. ويسير الجمل بحركة تأَرْجُحِيَّة.. يمشي فيها على الأرجل اليمنى تارة، ثم ينتقل على الأرجل اليسرى تارة أخرى..
الجمل له سنام مميز، يخزن به الدهن مع بعض الأنسجة الليفية كمخزن للطاقة.. ولا يتسرب الدهن إلى تحت الجلد كالحيوانات الأخرى.. وهو يقع في مركز الجسم بارتفاع 50سم ومحيطه يبلغ ما يقرب من 200سم.. الجمل العربي أكثر طولاً من الجمل ذي السنامين؛ حيث يبلغ حوالي متر و85 سم عند الكتف، ومترين و15 سم عند السنام، يبلغ وزن الجمل في المتوسط من 450 إلى 600 كيلو جرام محمولاً على أربع أرجل طويلة ورفيعة واسعة الخطوات لسهولة الحركة في الصحراء.
الجمل له ذيل قصيرة مجدول ينتهي بخصلة من الشعر. فرو الجمل ناعم وقصير يبلغ حوالي 30سم في بعض مناطق الجسم.. يتساقط في الربيع والصيف وينمو في الخريف. يسقط الجمل ما يقرب من كيلوجرامين و 25 جرامًا من الشعر في كل مرة. الفرو له سُمْك متوسط حتى يمنع التبخر العالي للمياه في الحرارة العالية.. كما أنه غير رفيع حتى لا يسمح بدخول كميات حرارة عالية داخل الجسم.
اللون الفاتح لفراء الجمل يعني أن أشعة الشمس تنعكس على سطح الفرو.. أما عن الجلد فهو سميك داكن اللون يمتص الأشعة فوق البنفسجية المخترقة، ويمنع بالتالي تليف الأنسجة.. المياه القليلة التي تتبخر في درجة الحرارة العالية تتجمع على سطح الفرو وبالتالي تعطي إحساسًا بالرطوبة.
الجسم الكبير للجمل لا يعتبر عيبًا.. فهو يساعد على اكتساب الحرارة ببطء.. كما أن الجمل يستطيع ضبط وضع الجسم بحيث يجعل أقل مساحة ممكنة معرضة للشمس.. ويجلس في فترات الصباح الباكر في محاولة لتفادي أكبر قدر من الأشعة المعكوسة على الأرض الجدباء.. توجد وسائد قرنية تحت الصدر وعلى الركبة ذات فائدة كبيرة أثناء الجلوس، حيث إنها الأجزاء التي تلامس الأرض.. تحمل الناقة جنينها لمدة 13 شهرًا.. ويبقى العجل بجانب والدته حتى البلوغ عند سن 5 سنوات، ويعيش الجمل من 40 إلى 50 عامًا وتتراوح سرعته أثناء السير ما بين 5 إلى 7 كجم.
يستطيع الجمل العربي أن يعيش بدون ماء أو طعام مدة ما يقرب من سبعة عشر يومًا.. كما أنه يستطيع أن يعوض الكمية المفقودة من الماء في فترة قصيرة جدًّا.. حيث يمكنه شرب ما يقرب من 100 لتر ماء في عشر دقائق.. حيوان بهذه المنظومة العجيبة.. لا بد له من امتلاك تركيبة فسيولوجية خاصة تمكنه من تحمل الحرارة بلا ماء.. بل تضبط له العمليات الحيوية في الجسم.. ونظام مماثل يمنع انفجار أو تحلل كرات الدم الحمراء عند شرب هذه الكمية الهائلة من المياه في هذا الوقت القصير.
يشرب الجمل في الظروف العادية ما يقرب من 25 30 لترًا في المواسم الجافة.. يستطيع الجمل أن يفقد 30% من ماء جسمه ولا يفقد شهيته للطعام حتى في أشد حالات الجفاف..
تكيف الجمل
المقدرة المتميزة في تغيير حرارة الجسم:
حينما يتوفر الماء والطعام للجمل.. فإن حرارة الجسم تتغير بمقدار 2C، إلا أنه تحت الظروف القاسية من الحرارة والجفاف يغير الجمل من حرارة جسمه لدرجة تصل إلى أكبر من 6C. الحرارة المرتفعة للجسم تقلل من فارق الحرارة بين الجسم والبيئة الخارجية؛ ومن ثَمَّ تقلل نسبة التبخر (العرق).. حينما تقل حرارة الجو في المساء.. يقلل الجمل من حرارة جسمه حتى يخرج الحرارة الكامنة بلا نقص يُذْكر في المياه.
الجمل من الحيوانات التي تعرق للتخلص من الماء.. إلا أنه - وفي بعض الأحياء - يلجأ إلى "اللهث" السريع من خلال التنفس تحت الظروف المناخية الصعبة..
لهث الجمل يتم متتاليًا بدون فترة راحة بين الشهيق والزفير؛ لتهوية المناطق العلوية وممرات التنفس التي يتبخر المياه من عندها فيقل بذلك معدل التبخر. معدل التنفس في الدقيقة يصل إلى 8 مرات، إلا أنه يزيد تحت الظروف المذكورة إلى 12 مرة في الدقيقة.
الجهاز الهضمي للجمل: يتميز بتركيب تشريحي وفسيولوجي يساعده على التأقلم على مدى واسع من المواد الغذائية الخشنة.. مريء الجمل طويل بقدر كبير أطول من القصبة الهوائية، ومبطن بالغدد التي تفرز المخاط بهدف ترطيب غذاء الإبل وتختلف أجزاء المعدة المركبة في الإبل عنها في المجترات الحقيقة.. فعلى السطح الخارجي للمعدة توجد منطقتان من الأكياس الغُددية ذات وظائف إفرازية تكمل وظائف الغدد اللعابية وتضيف كميات كبيرة من السوائل
معدل إفراز اللعاب في الإبل كبير الشبه بالمجترات، إلا أنه يحتوي على كمية بسيطة من إنزيم الأميليز الذي يصل معدل إفرازه في حالة توفر الماء إلى 21 لترًا يوميًّا.. ويقل معدله حتى يصل إلى 0.64 لتر عند الإبل العطشى.. ويستمر الجمل تحريك فمه مفرزًا اللعاب ويجتر باستمرار حتى يحافظ على رطوبة فمه وسهولة البلع.
ويحتوي اللعاب على نسبة من اليوريا العائدة من الكبد.. حيث تعود مرة أخرى إلى (المعدة)؛ لتستخدم في تصنيع البروتين.
عملية الهضم تعتمد بدرجة كبيرة على وجود الميكروبات في معدة الحيوان، التي تزداد خلال فترة تناقص المياه، ولا تتأثر الجمال بذلك كغيرها من حيوانات أخرى. تغيب الحويصلة الصفراوية في الإبل وذلك حتى:
أ) تُوَفِّر كمية من الماء تستخدم داخل الحويصلة؛ لتواجد مركبات الإفراز (100 - 150 مليمتر في الأبقار ب) تمنع حدوث الالتهابات في الحويصلة التي قد تنتج عن قلة الغذاء والماء.
جـ) لا توجد أي حاجة لإفراز كميات كبيرة من الصفراء نظرًا لطبيعة غذاء الإبل الفقير في الدهن.
دور كرات الدم الحمراء
تستطيع الإبل أن تفقد ما يقرب من 30% من جسمها ماء دون أن تموت، حيث يضبط حجم البلازما في الإبل على حساب سوائل الأنسجة واستخدام ماء العمليات الحيوية، فتظل الدورة غير معوقة.
تحت الميكروسكوب.. تبدو خلية الدم في الجمل بيضوية الشكل، وبالتالي تستطيع الدوران بسهولة في الدم اللزج.. وعند شرب كمية كبيرة من المياه.. تتضخم الخلية إلى 240% من حجمها الطبيعي بلا انفجار . وذلك للخاصية المطاطية لجدار خلية الدم في الجمال. يرتفع البروتين في دم الجمل إلى 70%، ويزيد الألبيومين إلى 20%.. وجود الألبومين في بلازما الدم يسبب زيادة في الضغط الأسموزي الذي بدوره يؤدي إلى الحفاظ على السوائل في الأوعية الدموية.
(5) معدل خروج البول أثناء الجفاف:
ينخفض معدل خروج البول أثناء الجفاف إلى درجة كبيرة جدًّا، ويعتبر أهم آلية مستخدمة بواسطة الجمل للحفاظ على المياه.. تركيز البول يؤدي أيضًا إلى تمكن الجمل من شرب ماء تزيد ملوحته على ملوحة ماء البحر.. يحرج الجمل في الظروف العادية ما يقرب من 7 لترات يوميًّا.. إلا أنه في ظروف الجفاف قد يخرج لترًا في اليوم فقط.. كما يفرز هرمون الفازوبرسين الذي يُثَبِّط معدل سريان البول في الكُلْيَة.
يؤدي أيضًا هذا الهرمون إلى خروج كمية كبيرة من البوتاسيوم وكمية قليلة من الصوديوم؛ ليخدم بعد ذلك في الضبط الأوزموزي في أثناء وجود الماء، نتيجة لقلة خروج الماء أثناء الجفاف يزداد تركيز اليوريا الذي يتحول إلى بروتين عن طريق البكتريا، ويرجع من خلال مجرى الدم إلى الأمعاء.
تختلف الكُلْيَة بذلك من الناحية التشريحية عنها في المجترات الحقيقية؛ حيث يزيد طول وعدد أنابيب هنل بدرجة كبيرة، مما يساعد على تركيز البول، ومن ثَمَّ فَقْد كمية أقل من الماء لإخراج نفس الكمية من عناصر البول..
التكيـــــــــــف
التكيف هو تلاؤم الكائن الحي مع كل ظروف الوسط الذي يعيش فيه، بحيث يستطيع التعامل مع هذه الظروف بنجاح، واستغلال الموارد الموجودة فيه، والعيش بتناغم مع كل المؤثرات فيه، وزيادة القدرة على البقاء والتكاثر فيه. فالسمك متكيف للعيش في الماء بفضل أعضاء تنفسه الغلصمية وشكل جسمه الانسيابي الذي تدفعه زعانفه المختلفة. والبرمائي يملك بعض هذه المزايا، لكنه قادر أيضاً على الحياة على الأرض بفضل رطوبة جلده ووجود أطراف تساعده في السير أو القفز أو السباحة ووجود رئتين تتنفسان الهواء الجوي. والصباريات التي تعيش في المناطق الصحراوية ليس لها الأوراق التقليدية وإنما تحولت إلى أشـواك، ولها سوق متكتلة تسترها بشرة سميكة، يسهم كل ذلك في التخفيف من التعرق والمحافظة على كميات كبيرة من الماء لاستخدامها عند الحاجة.
يشير التكيف إذن إلى المزايا التي تكتسبها الكائنات الحية للتعامل مع أوساطها الخارجية مستخدمة البنى المتخصصة التي تساعدها في العيش في الوسط الذي توجد فيه، بينما اكتسبت كائنات أخرى صفاتٍ تمكنها من العيش في أوساط مختلفة إذ تستطيع استغلال وسطها واستثماره إلى الحد الأقصى.
التكيف لدى الحيوانات
تُمَيَّز، في عالم الحيوان، عدة أنماط من التكيف: بعضها بنيوي وشكلي، ومنها ما هو سلوكي فيزيولوجي، وبعضها الآخر تمويهي لوني.
فالحيوانات العاشبة تأكل النباتات عادة، لذلك فإن لها أسناناً غير قاطعة لسحق الأوراق النباتية، بينما آكلات اللحوم أسنانها كبيرة وحادة تقبض بها على فرائسها وتمزقها. ولآكل النمل لسان طويل لزج متخصص لولوج أعشاش النمل والأَرَضَة[ر] لالتقاط فرائسها، وكذلك الضفادع والحرابي التي تستطيع مد لسانها بسرعة كبيرة لاصطياد الحشرات ولصقها على سطحه اللاصق. ولبعض الطيور منقار قصير ثخين يُمَكِّنها من كسر البذور الصلبة. كما أن المنقار الأنبوبي للطائر الطنان يُمَكِّنه من الوصول إلى الغدد الرحيقية في الأزهار، ومناقير النسور والبواشق المدببة متخصصة لتمزيق اللحوم.
وقد تكيفت معظم الحيوانات لتتمكن من الدفاع عن نفسها أو الهرب من المهاجمين. فكثير منها تجهزت بأسلحة دفاعية، مثل المخالب أو الإفرازات السامة، ولبعضها أصداف أو جلد قاس لحمايتها تقلل من إمكانية أكلها من المفترسات، وبعضها الآخر يهرب من مهاجميه بمزية الركض أو الطيران.
وبسبب حاجة الحيوانات للتحرك، فإنها تكيفت للتنقل من مكان لآخر بصور مختلفة. فالحيوانات المائية الصغيرة تتحرك بأهداب دقيقة أو بسياط خيطية طويلة تساعدها في دفع جسمها في الماء أو سحبها له، أما الحيوانات الأكبر فإنها تتحرك بالزعانف أو الأرجل، بينما تتحرك الخفافيش والحشرات البالغة ومعظم الطيور بالأجنحة. وللطائر الطنان أجنحة تساعده في أن يحوم فوق الأزهار لكي يتمكن من الحصول على الرحيق بسهولة. والبطريق[ر] له أجنحة مجدافية الشكل من أجل السباحة تحت الماء، والضواري آكلات الجيف تساعدها أجنحتها في الحومان في الهواء مدد طويلة قبل الانقضاض على فرائسها.
ويبدي الغزال الفتي والحشرات تكيفاً سلوكياً يتجلى ببقائها ساكنة طالما الخطر قائماً، متفادية بذلك لفت انتباه مفترساتها ولا تكشف عن مواقعها بسكونها الذي يدوم أحياناً مدة طويلة.
وكثير من الحيوانات تحمي نفسها بأشكال مختلفة من التمويه. فالألوان الفاتحة لا تميز عادة من الأرضية ذات اللون الفاتح، وكذلك يصعب تمييز الألوان الغامقة من الأرضية ذات اللون الداكن، لذلك تكتسب الحيوانات ألواناً تناسب ما يحيطها بحيث يصعب تمييزها في وسطها. فالطيور والأسماك مثلاً ذات وجوه بطنية فاتحة وجوه ظهرية داكنة. ولا يُرى كثيرٌ من الحشرات من أعدائها بسبب ذلك، وكذلك بسبب أشكالها التي تشبه جذوع الأشجار أو قشورها أو أغصانها أو أوراقها. وللغزال الفتي جلد مبرقع يطابق لونُه وسطَه في الغابة.
ولكثير من الطيور رياش فاتحة لتجذب الإناث إليها، في حين أن بعضها الآخر يغازل أقرانه بالغناء. كما تكيفت الحشرات والعناكب ومعظم الأسماك، لإنجاح تكاثرها، بإنتاج كميات كبيرة من البيض، لأن القليل منه ينجو من الافتراس. أما الطيور والثدييات فتنتج صغاراً أقل عدداً تقوم بحمايتها وإطعامها إلى أن تتمكن من الاعتماد على نفسها.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض التكيفات تكون مؤقتة، وتُمَكِّن الكائن من التلاؤم مع تغير أوساطها بسرعة، مثل تغير لون سمك موسى ليطابق لونه ما يحيطه. وتكون بعض التكيفات فصلية وتتغير بحسب ظروف الطقس. ففي الشتاء تكتسب بعض الكلاب شعراً غزيراً تخسره في الصيف. ولأرنب الثلج الذي يقطن المناطق الشمالية المثلجة فراء أبيض كثيف في الشتاء، يصير أقل كثافة في الصيف وبلون بني.
التكيف لدى النباتات
كثير من الصباريات في المناطق الصحراوية لها خلايا لحمية تمَكِّنها من امتصاص الماء واختزانه لحين الحاجة. ولتين صبار الساغارو Saguaro الذي له شكل الأشجار، ساق ذات طيات يمكن أن تتمدد مثل «الأكورديون» لدى امتلائها بالماء، وبذلك يستطيع النبات أن يستخدم الماء المخزون في الساق وتَحَمُّـل الجفاف لحين موسم الأمطار التالي الذي يمكن أن يأتي بعد سنتين. وأشجار الصنوبر والغار وبعض نباتات المناطق الجافة الأخرى لها أوراق صغيرة مغطاة بطبقة شمعية تحافظ بها على الرطوبة وتمنع البخر. ولكثير من النباتات أشواك تحميها من أن تؤكل من الحيوانات.
وتكيفت النباتات، كما في الحيوانات، بأنماط مختلفة من أجل تكاثرها. فبتلات وسبلات الأزهار ما هي إلا أوراق متخصصة لحماية أعضاء التكاثر. وبألوانها الزاهية تجتذب كثيراً من الحشـرات والحيوانات الأخرى التي تسهم في نقل حب الطلع من زهرة لأخرى. ويختلط في البذور التي تنتج من التأبير المتصالب، كثيرٌ من الصفات الوراثية، ويحتمل أنها تنمو وتصل إلى مرحلة النضج أكثر من البذور التي تنتج دون مساعدة حيوانات التأبير مثل النحل والفراشات.
وتبدي الثمار أيضاً كثيراً من التكيفات. فبعض النباتات لها ثمار مجهزة بكلاليب تتعلق بها على فراء الحيوانات العابرة، فتُحْمَل بذلك إلى مواقع جديدة لا تتنافس فيها البذرات مع النبات الأم، وثمار الهندباء لها باقة من الأشعار تحملها الرياح بعيداً عن المواقع التي تشكلت فيها. حتى الجزء اللحمي من ثمار الكرز أو التفاح ما هي إلا تكيف يساعد النبات على تناثـر بذوره. فالحيوانات تأكل الثمرة لحلاوتها وترمي البذور في أثناء سيرها.
أصل التكيف
يتوقف بقاء كل نوع، سواء كان حيواناً أم نباتاً، على قدرة أفراده على الحصول على الغذاء وحماية نفسه وإنتاج ذرية له. وهكذا فإن أي صفة وراثية تزيد من إمكانية أيٍ من هذه الوظائف ستحسن فرصة استمرار هذا النوع وبقائه.
والصفات الوراثية الجديدة التكيفية تظهر بفعل الاصطفاء الطبيعي، الذي يميل إلى حفظ الصفات المفيدة بالنسبة للكائنات، ومن ثم تنتقل إلى الأجيال التالية، لتنتشر، بعد أن تكون قد تهيأت الظروف لانطباعها في السجل الوراثي للكائن، في الجماعات التي تليها.
إلا أن ظهور بعض الصفات، مثل قابلية قبض يد الإنسان للأشياء ومعالجتها لها، لا يظهر إلا نتيجة طفرات عدة، يمكن أن تتطور عبر ملايين السنين، لكن هذا لا يمنع أن تظهر بعض الصفات التكيفية بسبب طفرة واحدة، أو عدد قليل منها، ظهر في مرحلة قصيرة نسبياً.
من التكيفات التي ظهرت في مدة قصيرة من الزمن يذكر العتة الفلفلية peppered moth الإنكليزيـة (Biston betularia). كانت هذه العتة، في الأصل، فاتحة اللون، وتعيش على جذوع أشجار غطتها طحالب فاتحة اللون ولهذا كانت لا ترى من أعدائها. لكن جذوع الأشجار، في المناطق الصناعية صارت مغطاة، بفعل دخان المصانع الأسود، بطبقة قاتمة فصارت الحشرات مرئية بالنسبة لمفترساتها، فبدأت بالاختفاء.
كان ظهور العتة الإنكليزية غامقة اللون أول مرة عام 1948 في مدينة إنكليزية صناعية. وبما أنها كانت مموهة مقابل جذع الشجر، فإنها استطاعت الاستمرار والتكاثر بنجاح أكثر، في هذه المنطقة، من العت فاتح اللون. وقد نُقِلَ اللون الغامق، وهو ناتج عن طفرة واحدة، إلى الجيل التالي، فوصلت نسبة العتات الغامقة عام 1953 إلى 90٪ في المنطقة الصناعية وبقي من العت الفاتح اللون فقط 10٪.
1001e-books.blogspot.com
Hatem Salah
ورغم أن الجمل يَجْتَرّ الطعام فإنه من الخطأ القول بأنه من رتبة المجترات؛ لأن رتبة المجترات لها 4 غرف للمعدة، أما الحيوانات وِسَاديات القدم فتتكون المعدة عندها من ثلاث غرف فقط.
الجمل والبيئة الخارجية
الجمال تستطيع أن تعيش في جو بارد أو حار.. إلا أن تكيفها على العيش في المناطق الحارة والجافة يُعَدُّ منظومة عجيبة تستحق النظر. لا يفضل الجمل وحيد السنام العيش في المناطق الممطرة، بل يفضل المناطق التي تمر بها فترات حرارة طويلة من الجفاف قد تصل إلى ثمانية أشهر.
ومن ثَمَّ يتمتع بنظام متميز يمكنه من التكيف مع الجفاف والحرارة العالية.. كما يلعب شكله الخارجي دورًا هامًّا في هذه الظروف القاسية.
شكل الجمل
يتراوح لون الجمل من البني إلى الرمادي، وفي حالات نادرة اللون الأبيض، العينان كبيرتان وبارزتان أشبه بعين الغزال، الأهداب طويلة وكثيفة ويوجد غشاء رقيق تحت الجفن يحتوي على غدد كاملة التطور، وظيفتها حماية القرنية من الرمال في البيئة الصحراوية.. الجمل له فَم كبير واللسان طويل وصلب كي يسهل من عملية التقاط المواد الشوكية.. تختلف الأسنان في الإبل عنها في أي حيوان آخر.. حيث تمتاز بقواطع في الفك العلوي، بينما لا توجد إلا في الفك السفلي في الحيوانات الأخرى.. ولها أنياب قوية تميزها عن المجترات الحقيقية.. عدد أسنان الإبل هو "34". الشفة العليا سميكة ذو حساسية شديدة للأشواك، يغطيها شعر كثيف بمقارنتها بالشفة السفلى المتدلية. الشفة العليا مشقوقة طوليًّا في المنتصف، وبها أخدود يتصل بفتحة الأنف حتى يمكن للرطوبة التي تتكون على فتحتي الأنف أن تمر إلى الفم.. يغطي فتحتي الأنف شعر كثيف يمنع الرمال من الدخول إليهما، بل محاطتان بعضلات قوية تمكنهما من الانغلاق في العواصف الرملية.. والأنف ترتعش دائمًا لتبريد هواء الشهيق.
القدم ذو أصابع واسعة ومفرطحة، تغوص في وِسادة جلدية.. وفي أثناء السير تتفرطح هذه الوسائد نتيجة الضغط عليها مانعة القدم من الغوص في الرمال.. ويسير الجمل بحركة تأَرْجُحِيَّة.. يمشي فيها على الأرجل اليمنى تارة، ثم ينتقل على الأرجل اليسرى تارة أخرى..
الجمل له سنام مميز، يخزن به الدهن مع بعض الأنسجة الليفية كمخزن للطاقة.. ولا يتسرب الدهن إلى تحت الجلد كالحيوانات الأخرى.. وهو يقع في مركز الجسم بارتفاع 50سم ومحيطه يبلغ ما يقرب من 200سم.. الجمل العربي أكثر طولاً من الجمل ذي السنامين؛ حيث يبلغ حوالي متر و85 سم عند الكتف، ومترين و15 سم عند السنام، يبلغ وزن الجمل في المتوسط من 450 إلى 600 كيلو جرام محمولاً على أربع أرجل طويلة ورفيعة واسعة الخطوات لسهولة الحركة في الصحراء.
الجمل له ذيل قصيرة مجدول ينتهي بخصلة من الشعر. فرو الجمل ناعم وقصير يبلغ حوالي 30سم في بعض مناطق الجسم.. يتساقط في الربيع والصيف وينمو في الخريف. يسقط الجمل ما يقرب من كيلوجرامين و 25 جرامًا من الشعر في كل مرة. الفرو له سُمْك متوسط حتى يمنع التبخر العالي للمياه في الحرارة العالية.. كما أنه غير رفيع حتى لا يسمح بدخول كميات حرارة عالية داخل الجسم.
اللون الفاتح لفراء الجمل يعني أن أشعة الشمس تنعكس على سطح الفرو.. أما عن الجلد فهو سميك داكن اللون يمتص الأشعة فوق البنفسجية المخترقة، ويمنع بالتالي تليف الأنسجة.. المياه القليلة التي تتبخر في درجة الحرارة العالية تتجمع على سطح الفرو وبالتالي تعطي إحساسًا بالرطوبة.
الجسم الكبير للجمل لا يعتبر عيبًا.. فهو يساعد على اكتساب الحرارة ببطء.. كما أن الجمل يستطيع ضبط وضع الجسم بحيث يجعل أقل مساحة ممكنة معرضة للشمس.. ويجلس في فترات الصباح الباكر في محاولة لتفادي أكبر قدر من الأشعة المعكوسة على الأرض الجدباء.. توجد وسائد قرنية تحت الصدر وعلى الركبة ذات فائدة كبيرة أثناء الجلوس، حيث إنها الأجزاء التي تلامس الأرض.. تحمل الناقة جنينها لمدة 13 شهرًا.. ويبقى العجل بجانب والدته حتى البلوغ عند سن 5 سنوات، ويعيش الجمل من 40 إلى 50 عامًا وتتراوح سرعته أثناء السير ما بين 5 إلى 7 كجم.
يستطيع الجمل العربي أن يعيش بدون ماء أو طعام مدة ما يقرب من سبعة عشر يومًا.. كما أنه يستطيع أن يعوض الكمية المفقودة من الماء في فترة قصيرة جدًّا.. حيث يمكنه شرب ما يقرب من 100 لتر ماء في عشر دقائق.. حيوان بهذه المنظومة العجيبة.. لا بد له من امتلاك تركيبة فسيولوجية خاصة تمكنه من تحمل الحرارة بلا ماء.. بل تضبط له العمليات الحيوية في الجسم.. ونظام مماثل يمنع انفجار أو تحلل كرات الدم الحمراء عند شرب هذه الكمية الهائلة من المياه في هذا الوقت القصير.
يشرب الجمل في الظروف العادية ما يقرب من 25 30 لترًا في المواسم الجافة.. يستطيع الجمل أن يفقد 30% من ماء جسمه ولا يفقد شهيته للطعام حتى في أشد حالات الجفاف..
تكيف الجمل
المقدرة المتميزة في تغيير حرارة الجسم:
حينما يتوفر الماء والطعام للجمل.. فإن حرارة الجسم تتغير بمقدار 2C، إلا أنه تحت الظروف القاسية من الحرارة والجفاف يغير الجمل من حرارة جسمه لدرجة تصل إلى أكبر من 6C. الحرارة المرتفعة للجسم تقلل من فارق الحرارة بين الجسم والبيئة الخارجية؛ ومن ثَمَّ تقلل نسبة التبخر (العرق).. حينما تقل حرارة الجو في المساء.. يقلل الجمل من حرارة جسمه حتى يخرج الحرارة الكامنة بلا نقص يُذْكر في المياه.
الجمل من الحيوانات التي تعرق للتخلص من الماء.. إلا أنه - وفي بعض الأحياء - يلجأ إلى "اللهث" السريع من خلال التنفس تحت الظروف المناخية الصعبة..
لهث الجمل يتم متتاليًا بدون فترة راحة بين الشهيق والزفير؛ لتهوية المناطق العلوية وممرات التنفس التي يتبخر المياه من عندها فيقل بذلك معدل التبخر. معدل التنفس في الدقيقة يصل إلى 8 مرات، إلا أنه يزيد تحت الظروف المذكورة إلى 12 مرة في الدقيقة.
الجهاز الهضمي للجمل: يتميز بتركيب تشريحي وفسيولوجي يساعده على التأقلم على مدى واسع من المواد الغذائية الخشنة.. مريء الجمل طويل بقدر كبير أطول من القصبة الهوائية، ومبطن بالغدد التي تفرز المخاط بهدف ترطيب غذاء الإبل وتختلف أجزاء المعدة المركبة في الإبل عنها في المجترات الحقيقة.. فعلى السطح الخارجي للمعدة توجد منطقتان من الأكياس الغُددية ذات وظائف إفرازية تكمل وظائف الغدد اللعابية وتضيف كميات كبيرة من السوائل
معدل إفراز اللعاب في الإبل كبير الشبه بالمجترات، إلا أنه يحتوي على كمية بسيطة من إنزيم الأميليز الذي يصل معدل إفرازه في حالة توفر الماء إلى 21 لترًا يوميًّا.. ويقل معدله حتى يصل إلى 0.64 لتر عند الإبل العطشى.. ويستمر الجمل تحريك فمه مفرزًا اللعاب ويجتر باستمرار حتى يحافظ على رطوبة فمه وسهولة البلع.
ويحتوي اللعاب على نسبة من اليوريا العائدة من الكبد.. حيث تعود مرة أخرى إلى (المعدة)؛ لتستخدم في تصنيع البروتين.
عملية الهضم تعتمد بدرجة كبيرة على وجود الميكروبات في معدة الحيوان، التي تزداد خلال فترة تناقص المياه، ولا تتأثر الجمال بذلك كغيرها من حيوانات أخرى. تغيب الحويصلة الصفراوية في الإبل وذلك حتى:
أ) تُوَفِّر كمية من الماء تستخدم داخل الحويصلة؛ لتواجد مركبات الإفراز (100 - 150 مليمتر في الأبقار ب) تمنع حدوث الالتهابات في الحويصلة التي قد تنتج عن قلة الغذاء والماء.
جـ) لا توجد أي حاجة لإفراز كميات كبيرة من الصفراء نظرًا لطبيعة غذاء الإبل الفقير في الدهن.
دور كرات الدم الحمراء
تستطيع الإبل أن تفقد ما يقرب من 30% من جسمها ماء دون أن تموت، حيث يضبط حجم البلازما في الإبل على حساب سوائل الأنسجة واستخدام ماء العمليات الحيوية، فتظل الدورة غير معوقة.
تحت الميكروسكوب.. تبدو خلية الدم في الجمل بيضوية الشكل، وبالتالي تستطيع الدوران بسهولة في الدم اللزج.. وعند شرب كمية كبيرة من المياه.. تتضخم الخلية إلى 240% من حجمها الطبيعي بلا انفجار . وذلك للخاصية المطاطية لجدار خلية الدم في الجمال. يرتفع البروتين في دم الجمل إلى 70%، ويزيد الألبيومين إلى 20%.. وجود الألبومين في بلازما الدم يسبب زيادة في الضغط الأسموزي الذي بدوره يؤدي إلى الحفاظ على السوائل في الأوعية الدموية.
(5) معدل خروج البول أثناء الجفاف:
ينخفض معدل خروج البول أثناء الجفاف إلى درجة كبيرة جدًّا، ويعتبر أهم آلية مستخدمة بواسطة الجمل للحفاظ على المياه.. تركيز البول يؤدي أيضًا إلى تمكن الجمل من شرب ماء تزيد ملوحته على ملوحة ماء البحر.. يحرج الجمل في الظروف العادية ما يقرب من 7 لترات يوميًّا.. إلا أنه في ظروف الجفاف قد يخرج لترًا في اليوم فقط.. كما يفرز هرمون الفازوبرسين الذي يُثَبِّط معدل سريان البول في الكُلْيَة.
يؤدي أيضًا هذا الهرمون إلى خروج كمية كبيرة من البوتاسيوم وكمية قليلة من الصوديوم؛ ليخدم بعد ذلك في الضبط الأوزموزي في أثناء وجود الماء، نتيجة لقلة خروج الماء أثناء الجفاف يزداد تركيز اليوريا الذي يتحول إلى بروتين عن طريق البكتريا، ويرجع من خلال مجرى الدم إلى الأمعاء.
تختلف الكُلْيَة بذلك من الناحية التشريحية عنها في المجترات الحقيقية؛ حيث يزيد طول وعدد أنابيب هنل بدرجة كبيرة، مما يساعد على تركيز البول، ومن ثَمَّ فَقْد كمية أقل من الماء لإخراج نفس الكمية من عناصر البول..
التكيـــــــــــف
التكيف هو تلاؤم الكائن الحي مع كل ظروف الوسط الذي يعيش فيه، بحيث يستطيع التعامل مع هذه الظروف بنجاح، واستغلال الموارد الموجودة فيه، والعيش بتناغم مع كل المؤثرات فيه، وزيادة القدرة على البقاء والتكاثر فيه. فالسمك متكيف للعيش في الماء بفضل أعضاء تنفسه الغلصمية وشكل جسمه الانسيابي الذي تدفعه زعانفه المختلفة. والبرمائي يملك بعض هذه المزايا، لكنه قادر أيضاً على الحياة على الأرض بفضل رطوبة جلده ووجود أطراف تساعده في السير أو القفز أو السباحة ووجود رئتين تتنفسان الهواء الجوي. والصباريات التي تعيش في المناطق الصحراوية ليس لها الأوراق التقليدية وإنما تحولت إلى أشـواك، ولها سوق متكتلة تسترها بشرة سميكة، يسهم كل ذلك في التخفيف من التعرق والمحافظة على كميات كبيرة من الماء لاستخدامها عند الحاجة.
يشير التكيف إذن إلى المزايا التي تكتسبها الكائنات الحية للتعامل مع أوساطها الخارجية مستخدمة البنى المتخصصة التي تساعدها في العيش في الوسط الذي توجد فيه، بينما اكتسبت كائنات أخرى صفاتٍ تمكنها من العيش في أوساط مختلفة إذ تستطيع استغلال وسطها واستثماره إلى الحد الأقصى.
التكيف لدى الحيوانات
تُمَيَّز، في عالم الحيوان، عدة أنماط من التكيف: بعضها بنيوي وشكلي، ومنها ما هو سلوكي فيزيولوجي، وبعضها الآخر تمويهي لوني.
فالحيوانات العاشبة تأكل النباتات عادة، لذلك فإن لها أسناناً غير قاطعة لسحق الأوراق النباتية، بينما آكلات اللحوم أسنانها كبيرة وحادة تقبض بها على فرائسها وتمزقها. ولآكل النمل لسان طويل لزج متخصص لولوج أعشاش النمل والأَرَضَة[ر] لالتقاط فرائسها، وكذلك الضفادع والحرابي التي تستطيع مد لسانها بسرعة كبيرة لاصطياد الحشرات ولصقها على سطحه اللاصق. ولبعض الطيور منقار قصير ثخين يُمَكِّنها من كسر البذور الصلبة. كما أن المنقار الأنبوبي للطائر الطنان يُمَكِّنه من الوصول إلى الغدد الرحيقية في الأزهار، ومناقير النسور والبواشق المدببة متخصصة لتمزيق اللحوم.
وقد تكيفت معظم الحيوانات لتتمكن من الدفاع عن نفسها أو الهرب من المهاجمين. فكثير منها تجهزت بأسلحة دفاعية، مثل المخالب أو الإفرازات السامة، ولبعضها أصداف أو جلد قاس لحمايتها تقلل من إمكانية أكلها من المفترسات، وبعضها الآخر يهرب من مهاجميه بمزية الركض أو الطيران.
وبسبب حاجة الحيوانات للتحرك، فإنها تكيفت للتنقل من مكان لآخر بصور مختلفة. فالحيوانات المائية الصغيرة تتحرك بأهداب دقيقة أو بسياط خيطية طويلة تساعدها في دفع جسمها في الماء أو سحبها له، أما الحيوانات الأكبر فإنها تتحرك بالزعانف أو الأرجل، بينما تتحرك الخفافيش والحشرات البالغة ومعظم الطيور بالأجنحة. وللطائر الطنان أجنحة تساعده في أن يحوم فوق الأزهار لكي يتمكن من الحصول على الرحيق بسهولة. والبطريق[ر] له أجنحة مجدافية الشكل من أجل السباحة تحت الماء، والضواري آكلات الجيف تساعدها أجنحتها في الحومان في الهواء مدد طويلة قبل الانقضاض على فرائسها.
ويبدي الغزال الفتي والحشرات تكيفاً سلوكياً يتجلى ببقائها ساكنة طالما الخطر قائماً، متفادية بذلك لفت انتباه مفترساتها ولا تكشف عن مواقعها بسكونها الذي يدوم أحياناً مدة طويلة.
وكثير من الحيوانات تحمي نفسها بأشكال مختلفة من التمويه. فالألوان الفاتحة لا تميز عادة من الأرضية ذات اللون الفاتح، وكذلك يصعب تمييز الألوان الغامقة من الأرضية ذات اللون الداكن، لذلك تكتسب الحيوانات ألواناً تناسب ما يحيطها بحيث يصعب تمييزها في وسطها. فالطيور والأسماك مثلاً ذات وجوه بطنية فاتحة وجوه ظهرية داكنة. ولا يُرى كثيرٌ من الحشرات من أعدائها بسبب ذلك، وكذلك بسبب أشكالها التي تشبه جذوع الأشجار أو قشورها أو أغصانها أو أوراقها. وللغزال الفتي جلد مبرقع يطابق لونُه وسطَه في الغابة.
ولكثير من الطيور رياش فاتحة لتجذب الإناث إليها، في حين أن بعضها الآخر يغازل أقرانه بالغناء. كما تكيفت الحشرات والعناكب ومعظم الأسماك، لإنجاح تكاثرها، بإنتاج كميات كبيرة من البيض، لأن القليل منه ينجو من الافتراس. أما الطيور والثدييات فتنتج صغاراً أقل عدداً تقوم بحمايتها وإطعامها إلى أن تتمكن من الاعتماد على نفسها.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض التكيفات تكون مؤقتة، وتُمَكِّن الكائن من التلاؤم مع تغير أوساطها بسرعة، مثل تغير لون سمك موسى ليطابق لونه ما يحيطه. وتكون بعض التكيفات فصلية وتتغير بحسب ظروف الطقس. ففي الشتاء تكتسب بعض الكلاب شعراً غزيراً تخسره في الصيف. ولأرنب الثلج الذي يقطن المناطق الشمالية المثلجة فراء أبيض كثيف في الشتاء، يصير أقل كثافة في الصيف وبلون بني.
التكيف لدى النباتات
كثير من الصباريات في المناطق الصحراوية لها خلايا لحمية تمَكِّنها من امتصاص الماء واختزانه لحين الحاجة. ولتين صبار الساغارو Saguaro الذي له شكل الأشجار، ساق ذات طيات يمكن أن تتمدد مثل «الأكورديون» لدى امتلائها بالماء، وبذلك يستطيع النبات أن يستخدم الماء المخزون في الساق وتَحَمُّـل الجفاف لحين موسم الأمطار التالي الذي يمكن أن يأتي بعد سنتين. وأشجار الصنوبر والغار وبعض نباتات المناطق الجافة الأخرى لها أوراق صغيرة مغطاة بطبقة شمعية تحافظ بها على الرطوبة وتمنع البخر. ولكثير من النباتات أشواك تحميها من أن تؤكل من الحيوانات.
وتكيفت النباتات، كما في الحيوانات، بأنماط مختلفة من أجل تكاثرها. فبتلات وسبلات الأزهار ما هي إلا أوراق متخصصة لحماية أعضاء التكاثر. وبألوانها الزاهية تجتذب كثيراً من الحشـرات والحيوانات الأخرى التي تسهم في نقل حب الطلع من زهرة لأخرى. ويختلط في البذور التي تنتج من التأبير المتصالب، كثيرٌ من الصفات الوراثية، ويحتمل أنها تنمو وتصل إلى مرحلة النضج أكثر من البذور التي تنتج دون مساعدة حيوانات التأبير مثل النحل والفراشات.
وتبدي الثمار أيضاً كثيراً من التكيفات. فبعض النباتات لها ثمار مجهزة بكلاليب تتعلق بها على فراء الحيوانات العابرة، فتُحْمَل بذلك إلى مواقع جديدة لا تتنافس فيها البذرات مع النبات الأم، وثمار الهندباء لها باقة من الأشعار تحملها الرياح بعيداً عن المواقع التي تشكلت فيها. حتى الجزء اللحمي من ثمار الكرز أو التفاح ما هي إلا تكيف يساعد النبات على تناثـر بذوره. فالحيوانات تأكل الثمرة لحلاوتها وترمي البذور في أثناء سيرها.
أصل التكيف
يتوقف بقاء كل نوع، سواء كان حيواناً أم نباتاً، على قدرة أفراده على الحصول على الغذاء وحماية نفسه وإنتاج ذرية له. وهكذا فإن أي صفة وراثية تزيد من إمكانية أيٍ من هذه الوظائف ستحسن فرصة استمرار هذا النوع وبقائه.
والصفات الوراثية الجديدة التكيفية تظهر بفعل الاصطفاء الطبيعي، الذي يميل إلى حفظ الصفات المفيدة بالنسبة للكائنات، ومن ثم تنتقل إلى الأجيال التالية، لتنتشر، بعد أن تكون قد تهيأت الظروف لانطباعها في السجل الوراثي للكائن، في الجماعات التي تليها.
إلا أن ظهور بعض الصفات، مثل قابلية قبض يد الإنسان للأشياء ومعالجتها لها، لا يظهر إلا نتيجة طفرات عدة، يمكن أن تتطور عبر ملايين السنين، لكن هذا لا يمنع أن تظهر بعض الصفات التكيفية بسبب طفرة واحدة، أو عدد قليل منها، ظهر في مرحلة قصيرة نسبياً.
من التكيفات التي ظهرت في مدة قصيرة من الزمن يذكر العتة الفلفلية peppered moth الإنكليزيـة (Biston betularia). كانت هذه العتة، في الأصل، فاتحة اللون، وتعيش على جذوع أشجار غطتها طحالب فاتحة اللون ولهذا كانت لا ترى من أعدائها. لكن جذوع الأشجار، في المناطق الصناعية صارت مغطاة، بفعل دخان المصانع الأسود، بطبقة قاتمة فصارت الحشرات مرئية بالنسبة لمفترساتها، فبدأت بالاختفاء.
كان ظهور العتة الإنكليزية غامقة اللون أول مرة عام 1948 في مدينة إنكليزية صناعية. وبما أنها كانت مموهة مقابل جذع الشجر، فإنها استطاعت الاستمرار والتكاثر بنجاح أكثر، في هذه المنطقة، من العت فاتح اللون. وقد نُقِلَ اللون الغامق، وهو ناتج عن طفرة واحدة، إلى الجيل التالي، فوصلت نسبة العتات الغامقة عام 1953 إلى 90٪ في المنطقة الصناعية وبقي من العت الفاتح اللون فقط 10٪.
1001e-books.blogspot.com
Hatem Salah
No comments:
Post a Comment